حكايات الجدة والبلي ستيشن

وردة البنفسج الأحد أكتوبر 14, 2007 5:32 pm

لم يكن الاطفال يستطيعون النوم الا وهم يستمعون لاحدى (حكايات الجدة) وغالبا ما تكون تلك الحكايات اما وعظية ارشادية او لغرض التسلية وقضاء الوقت او واقعية. فما ان يحين وقت النوم حتى يترك الاطفال اليافعين امهاتهم وابائهم ويحومون حول جدتهم بخطين متوازيين اذا كان عددهم اكثر من ثلاثة وبخط يمتد من رأس الجدة الى منتصفها اذا كان عددهم اقل من ذلك، وما ان يجتمع الاطفال حول الجدة حتى تبدأ بسرد احدى حكاياتها اليومية وعادة ما تبتدأها بالقول الماثور (ذيج ما ذيج السالفة) ثم تغوص في سرد حكايات جميلة لم ننسها او ينساها الكبار رغم تقادم ومصاعب ومتاعب الايام.

ولكن هذه العادة الفلكلورية الجميلة بدأت في السنين الاخيرة بالاضمحلال يوما بعد اخر وبقيت القليل من الجدات ممن حافظن على تلك العادة وذلك التراث ولازلن مستمرات بسرد الحكايات لاحفادهن يوميا.
تقول الحاجة (ام فاطمة) وهي تضع بين يديها وعاء فيه رز تنظفه من الشوائب " رغم انني لم استمع الى حكايات الجدة فلسوء الحظ لم تكن جدتاي الاثنتان على قيد الحياة عندما كنت طفلة صغيرة ولكن مع هذا فانا على يقين بان (السوالف) مفيدة للطفل فهي تجعله يهدئ ويترك البكاء ويخلد الى نوم عميق وقد كنت اشاهد جدة اولادي الذين كانوا اطفالا حينذاك عندما تحكي لهم الحكايات الجميلة كيف يهدؤون ويتركون (الوكاحة) ويخلدون الى النوم في وقت كنت اعاني كثيرا من اجل اسكاتهم وتهدأتهم وجعلهم ينامون في الوقت المناسب ".
تسكت برهة لشرب الشاي ثم تقول " عندما كانت حفيدتي (فاطمة) تبلغ سنتين من العمر وفي يوم من الايام كانت تبكي بشدة دون معرفة السبب وحاولت امها اسكاتها بشتى الطرق الا انها لم تفلح في ذلك عندها قلت لامها اعطني اياها أحكِ لها حكاية علهّا تسكت، وفعلا ما ان بدأت بسرد الحكاية حتى سكتت فاطمة وهدئت هدوءا عجيبا مع انها لم تكن تفهم ما اقوله ونامت على الفور، ومنذ ذلك الحين والى الان حيث اصبح عمر فاطمة (خمس سنوات) وهي لا تنام قبل ان تستمع لحكاية من حكاياتي التي حفظتها من جدة ابنائي".
اما حفيدتها الجميلة فاطمة فتقول وهي تقف قرب جدتها وتضع يديها على كتفيها " لقد اعتدت على سماع الحكايات كل يوم واطلبها من جدتي فهي حكايات جميلة جدا وانا احبها كثيرا ".
اما الحاجة ام عبد الله فتقول " قبل عدة سنوات كنت احكي الحكايات لاحفادي ولكن الان لعد يعد الاطفال يتلهفون لسماع الحكايات ولا اعرف السبب وراء ذلك، هل ان حكاياتنا لم تعد ذات جدوى في هذه الايام ؟ مع انني في الحقيقة اشتاق كثيرا لان احكي الحكايات ولكن يظهر ان سوق الحكايات غير رائجة هذه الايام ".
حسين عبد الله (حفيد ام عبد الله) يقول " لم اعد احب سماع الحكايات فقد انشغلت مع اخوتي وابناء عمومتي بلعبة الـ(بلي ستيشن) وهي لعبة مسلية جدا وجميلة ".
ويشاطره (احمد) ابن عمه الراي ويقول " كنت ارى جدتي قبل عدة سنوات وهي تجمع اخوتي وابناء عمي حولها وتحكي لهم حكايات اعتقد انها جميلة وكنت اتمنى ان افهم ما تقوله جدتي وكنت اتشوق عندما اكبر ان اسمع تلك الحكايات ولكن الـ(بلي ستيشن) جميل جدا ولا استطيع فراقه ولو للحظة خصوصا عندما يكون التيار الكهربائي موجودا ".
الحاجة (ام جبار) قال " أي حكايات تتكلم عنها يا بني فالاوضاع هذه الايام لا تسمح وغير ملائمة للحكايات فاين الكهرباء واين راحة البال واين هم الاطفال الذين يسمعوننا كي نحكي لهم فكلهم مشغولون بلعب الكرة والـ(بلي ستيشن) والـ(الاتاري) كما ان صحتي لم تساعدني على الحكايات ".
يقول فاضل حسين الأخصائي بعلم الاجتماع " لكل زمن تغيراته ومتطلباته، ولكل زمن جيله الخاص به فعندما كنا صغارا لم نكن نقدر على النوم الا بعد سماع حكاية من حكايات جدتنا الجميلة وكل اصدقائي واقاربي كانوا كذلك حتى اننا كنا نتبادل الحكايات فيما بيننا، اما الان فقد تغير الوضع كثيرا بعد تطور الاجهزة الترفيهية وتخصيص الكثير من العلماء الجزء الاكبر من وقتهم كي يملأوا اوقات فراغ الاطفال بامور قد تنفع احيانا وقد تضر في احيان اخرى فقد دخلت الالعاب الالكترونية بمختلف انواعها ودخل الستلايت ودخل الموبايل الذي اصبح الكثير من الاطفال لديهم جهازٌ واحد على الاقل كل ذلك جعل حكايات الجدة تنقرض شيئا فشيئا ومع انها عادة فلكلورية جميلة الا انها لابد ان تشهر الراية البيضاء امام وسائل ترفيه الاطفال العديدة الموجودة حاليا ".